خبير مبيدات يطرح أفكار مضيئة للحفاظ على صحة الإنسان وسلامة البيئة – جريدة المزرعة


الرئيسية / زراعى / خبير مبيدات يطرح أفكار مضيئة للحفاظ على صحة الإنسان وسلامة البيئة

خبير مبيدات يطرح أفكار مضيئة للحفاظ على صحة الإنسان وسلامة البيئة

استكمالا لحوار بدأناه حول “النمو الاقتصادي العاجل والخطر البيئي الآجل”، وفي استثارة لفكر لا ينضب وجهد لا يكل وإخلاص لا يتكرر، دخل عالم الزراعة إلى عقل هذا الرجل الذي نرى أنه ظاهرة في عالم المبيدات وفخر لوزارة الزراعة ولجنة المبيدات للبحث عن “أفكار مضيئة للحفاظ على صحة الإنسان وسلامة البيئة”، سألنا الأستاذ الدكتور , يحيى عبد الحميد إبراهيم الخبير العالمي في تسجيل وتداول مبيدات الآفات عن أي أفكار يمكن أن تضيء الطريق أمام المسؤولين من متخذي القرار لوضع السياسات التي من شأنها الحفاظ على حق الأجيال الحالية والأجيال المستقبلية في بيئة نظيفة قادرة على العطاء المستمر والتمية المستدامة. جاءت الكلمات في تسلسل وانضباط، وكان ذلك مع إصرار صاحب هذه الكلمات بأن كل ما قد فات وكل ما هو آت لا يعبرعن وجهة نظر أو سياسات لأي لجان أو هيئات أو جهات، وإنما يعبر عن رؤى وآراء شخصية يتحمل صاحبها كامل المسؤولية العلمية والأدبية والأخلاقية.

بدأ العالم الجليل الدكتور, يحيى عبد الحميد إبراهيم كلامه بتقديم الشكر والعرفان , لعالم الزراعة على التقديم والتقدير المصان، وأشار إلى أن كل فكر مهما علا، وكل جهد مهما غلا، وكل إخلاص مهما ثرى فلن يتناسب مع فضل مصر وهي صاحبة كل الفضل في كنيتنا وتكويننا، ولا نزكي فيها على الله أحد. كما أضاف إبراهيم شكراً على الشكر، وأثنى على انتماء عالم الزراعة إلى الزراعة التي هي مستقبل هذا الوطن، وكذلك على جرأة عالم الزراعة في طرح الأفكار وكشف الأسرار واستباق الزمن مع الأخيار. والآن دعونا ننهل من علم هذا الرجل ونوثق كلماته , وننهل من أفكاره المضيئة للحفاظ على صحة الإنسان وسلامة البيئة .

أولا: الملوثات البيئية

أن البيئة التي حبا الله بها الإنسان كانت بكراً آمنة مطمئنة ومؤمنة في أول الزمان، ولكن بكارتها قد فضت بفعل الثورات الصناعية، والزراعية، والتكنولوجية، والإليكترونية، وحتى ثورات الربيع العربي. نحن لا ننكر فضل هذه الثورات جميعا على النمو الاقتصادي، ولكنها جميعاً قد تسببت في آثار تصل إلى حد الخطورة على صحة الإنسان وسلامة البيئة. وفي حديثي عن الملوثات (Pollutants) أجدني أعممه على الكيماويات، ولا أقصره أو أخصصه على المبيدات، خوفا من ضجر بعض أصحاب الشركات، وسوء الفهم لبعض الأساسيات، وقصور الرؤية أو تجاهل جوهر بعض الموضوعات، وأشهد الله أنه لا توجد لدي تطلعات، ولا تحركني معارك شخصية مع أحد من الشخصيات أو مع إحدى الجهات أو الهيئات، ولكنني أبحث عن الحقيقة من خلال المنهج العلمي، وأحاول تطويعها لخدمة مصر العزة والعزيزة، والتي أصبحت – للأسف – تعاني من الأزمات، وتدار نواصيها بأساليب المجاملات، وينشغل الكثيرون فيها بالخناقات وتضليل متخذي القرارات. ذلك لا ينفي أن مصر لديها الكثير من شركات مبيدات وطنية تستحق منا كل التقدير، ونعلم أن بعضها ساهم بجهد وفير في التنمية الزراعية، ولا يستطيع أحد – بما في ذلك كاتب هذه السطور- أن يزايد على وطنية أصحاب هذه الشركات، وأعلم شخصياً أن منهم من ساهم بالثروات لدعم منظومة المبيدات بالأجهزة والمعدات وتدريب العاملين بأجهزة الرقابة بمعظم المحافظات. هنا أؤكد مرة أخرى على أن كل ما سوف أسرده من أفكار أو آراء لا يعبر عن توجهات أو سياسات لأي لجان أو هيئات، وإنما يعبر عن اجتهاد الذات، مدعوماً ببعض المعلومات التي تستند إلى الوثائق والمرجعيات، إلا أن الأفكار والآراء – ككل الأفكار والآراء – تحتمل الخطأ والصواب، ويتحمل مسؤوليتها من تحركت خلايا مخه لصناعتها، ومن تحرك لسانه صياغتها.

ثانيا: ملامح وملاحظات حول قضية التلوث البيئي

· إن العيش في بيئة تخلو من التلوث سواء كان هذا التلوث مادي أو معنوي هو حق لكل إنسان، ولقد أصبح هذا الحق مهدداً بسبب الكيماويات والمخلفات التي تجد طريقها إلى التربة والماء والهواء لتصل بداية ونهاية إلى الإنسان فتهدد حياته، وطبيعي أن الحياة هي أهم الحقوق التي منحها الله للإنسان، ولا يملك أي إنسان آخر – مهما كان مكانه أو كانت مكانته – أن يسلبه هذا الحق إلا بالحق، ولذلك فما زلت أطالب بتغليظ العقوبة على الاتجار غير المشروع في المبيدات لتصل إلى حد العقوبة على الإرهاب أو حتى على الاتجار في المخدرات، لأنها – جميعا – تستهدف حياة المواطن البريء.

· تزيد صناعة العالم من الكيماويات في الوقت الحالى عما قيمته 3 تريليون دولار أمريكي، وتزداد حصة دول العالم النامي أو المتحول من هذه الصناعة في الوقت الذي لا تملك فيه هذه الدول قدرات وإمكانات إدارة الآثار الضارة للمنتجات على صحة الإنسان وسلامة البيئة.

· تسعى دول العالم المتقدم إلى نقل صناعاتها التي تشكل خطورة على الصحة العامة والبيئة إلى دول العالم النامي، وذلك تحت شعار “الاستثمار في الدول الفقيرة لمساعدتها على التحول الاقتصادي”، والحقيقة أنها تنقل أو تصدر مصادر الملوثات البيئية بعيداً عن أراضيها ومياهها وتربتها ومواطنيها.

· من الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها دول العالم، وخاصة دول العالم النامي، تضحية هذه الدول بصحة الإنسان وسلامة البيئة لحساب تنمية قصيرة المدى، ويحصد ثمارها حفنة قليلة من رجال الأعمال الذين لا نعرف عنهم الكثير، ولا نعرف مدى ما يقدمون لاستدامة البيئة التي تفجر آمالهم وتدعم أعمالهم.

· تعاني بعض دول العالم النامي، وخاصة دول الربيع العربي، الذي تحول ربيعها إلى شتاء قارص، من مشاكل اقتصادية، وأهمها مشكلة الدعم التي أصبحت قضية الحكومات الحائرة حيال أوحه الدعم الجائرة.

· تدعم بعض دول العالم النامي – لأسباب كلها سياسية وتبتعد كل البعد عن المعايير الاقتصادية والموضوعية – مدخلات الإنتاج الزراعي (Agricultural Inputs) مثل مواد الوقود والأسمدة والمخصبات، وبالذات الأسمدة الآزوتية التي تلوث البيئة وتهدد مكوناتها الأساسية والحيوية، وينطبق ذلك – بشكل أكبر – على بعض المبيدات، وإن كانت لا تندرج تحت قائمة مدخلات الإنتاج لأنها تحافظ على المحاصيل من خطر الآفات.

· لا يجب أن يتسبب هذا المقال أو غيره في إنزعاج أهلي وعشيرتي من المصريين، ونقول لهم وبالأرقام أن الاستهلاك السنوي للمبيدات في مصر محسوباً على أساس نصيب الفرد الواحد يقل خمسة عشر مرة عن مثيله في الولايات المتحدة الأمريكية، وللحديث في هذا الموضوع بقية، وذلك لأن المقارنة ليست وحدها دليل الأمان.

· من المشرف – حقاً – أن نرى في غضون هذا العام (2015) مساع حميدة وواضحة في بعض الدول العربية، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، لوضع سياسات بيئية تحمل مسؤول الانتاج تكلفة أو ضريبة تلوث البيئة والإضرار بصحة الإنسان.

· إذا خصصنا الكلام عن مصر نقول أن نهر النيل هو أحد شرايين الحياة المصرية، وأحد دعائم الزراعة المصيرية، وأن المحافظة عليه وعلى ما فيه – كماً ونوعاً – يعتبر “فرض عين”، وليس “فرض كفاية” تقوم به الحكومة نيابة عن أفراد شعبها، وأقول لمتخذ القرار أنه من غير المعقول أن نحاول البحث عن التمويل والمياة الجوفية لزراعة الصحراء الجدباء في الوقت الذي يعتدي البعض على الأرض الزراعية الخصبة وعلى نهر النيل هنا أو هناك.

· يعلم القارئ الكريم بأن الأرض هي أحد المكونات الأساسية للبيئة المصرية، ولذلك فالحفاظ عليها واجب والأعتداء عليها جريمة. يجب أن تغلظ عقوبة الإعتداء على أراضي الدولة، كما يجب التوقف عن بيع هذه الأراضي لأنها ليست ملكاً للأجيال الحالية فقط، ولكنها أيضاً ملكاً للأجيال المستقبلية، وعليه فأقترح أن تنزع هذه الملكية بقانون لتعود كاملة للدولة، ويمنح أصحابها حق انتفاع طالما أنهم يُحسنون استثمارها ويدفعون الضرائب على هذا الاستثمار.

· أن استحداث مناطق حرة في دول العالم النامي، ومصر إحدى هذه الدول، قد حقق ويحقق بعض الأهداف إلا أن هناك بعض السلبيات ويجب إعادة النظر في التجربة برمتها لتطويرها أو حتى إلغائها، لا سيما وأن بعض هذه المناطق قد يفتح باباً خلفياً لتهريب المنتجات والتهرب من نظم التسجيل والتداول ودفع الضرائب على هذه المنتجات.

· نقترح أن تتضمن دراسات الجدوى الاقتصادية لأي مشروع تنموي مجمل الثروات البيئية التي سوف يستغلها هذا المشروع، والحمل البيئي (Environmental Load) الذي يسببه، على أن يتحمل صاحب المشروع مسؤولية وتكلفة هذا العبء وأي آثار جانبية ضارة على صحة وسلامة الإنسان خلال دورة حياة هذا المشروع.

ثالثاً: مسيرة الدول الأوروبية في التعامل مع الملوثات البيئية

تحدثنا في المقال السابق بعالم الزراعة عن المخلفات والملوثات والرواكد والنفايات، وكيف تعامل العالم المتقدم معها من خلال الأفكار التي تحولت إلى أسس أو مبادئ (Principles) تمسكت بها الحكومات وصاغت على أساسها السياسات للمحافظة على صحة الإنسان وسلامة البيئة من الملوثات. إن كل الجهود التي يبذلها العالم – والمتقدم منه على وجه الخصوص – ليست إلا محاولات للمحافظة على، أو استعادة، جزء من بكارة هذه البيئة التي وهبها الله للإنسان في كل زمان ومكان، ولذلك فالبيئة ليست – فقط – حق للأجيال الحالية ، ولكنها – أيضاً – حق للأجيال المستقبلية، كما تقع على الأجيال الحالية مسؤولية استدامة البيئة لتصل إلى الأجيال المستقبلية. باختصار تؤثر الملوثات على التربة والماء والهواء فتقلل من التنوع البيولوجي وتحد من القدرات التنموية من ناحية، وتُسرب بعضاً من ملوثاتها للنبات والحيوان والإنسان من ناحية أخرى، وغالبا ما تكون هذه الملوثات سامة إما في المدى القريب أو في المدى البعيد.

ذكرنا في المقال السابق بعض المبادئ الأساسية التي صنعت أهم السياسات البيئية في دول العالم، وخاصة الدول الأوروبية، ومن هذه المباديء:

(1) مبدأ أن من قام على تلويث البيئة يدفع تكلفة التخلص من التلوث وآثاره الضارة (PPP)

(2) مبدأ تحميل صاحب الإنتاج تكلفة أي أضرار بيئية وصحية تحدث خلال دورة حياة المنتج (EPR)

وانتهى المطاف إلى صياغة الفقرة الثانية من المادة 191 من معاهدة الاتحاد الأوروبي (EU Treaty) على أن المبدأ الأول PPP هو أساس السياسات والقوانين البيئية بدول أوروبا، كما تبنت الأمم المتحدة فكرة المبدأ الثاني، وأقرته في مادة رقم 16 في مؤتمرها الذي عُقد في ريو دي جانيرو بالبرازيل الفترة من 3 – 14 يونية 1992.

وفي تقييم عملي للسياسات التي مُورست على مدى أكثر من ربع قرن من الزمان، أفاد علماء وخبراء البيئة بأن السياسات الحالية بالدول الأوروبية لا تصلح للتحول الاقتصادي وخاصة التحول إلى الاقتصاد الدائري أو الدوار (Circular Economy). وتحديداً فقد تقدمت مجموعة من الخبراء والمختصين التابعين لهيئة ZeroWaste Europe في سبتمبر من هذا العام (2015) بتقريرإلى الاتحاد الأوروبي، وأفاد هذا التقرير بضرورة إعادة النظر في السياسات الحالية للتأكيد على ضرورة تحمل صاحب الإنتاج التكلفة البيئية كاملة (Full Cost) غير منقوصة، على أن تتضمن هذه التكلفة كل ما يترتب على انتاج واستخدام المنتج من تلويث للبيئة وتأثير على صحة الإنسان. كما أشار التقرير إلى أن نسبة المنتجات التي تضمنتها السياسات البيئية التي ترتكز على مبدأ EPR بدول الإتحاد الأوروبي تصل إلى 45% من المنتجات الكلية التي تعرض في الأسواق الأوروبية، وأن هذه النسبة تخضع في الوقت الراهن للضرائب البيئية من خلال تشريعات وسياسات وأدوات ثابتة. وأوصى التقرير بضرورة زيادة عدد المنتجات التي تخضع للسياسات والضرائب البيئية إلى الحد الأقصى وصولاً لموجة جديدة من موجات المحافظة على البيئة والتي يُطلق عليه صفر المخلفات والاقتصاد الدائري (Zero Waste & Circular Economy).

عن fatmaanwar

x

‎قد يُعجبك أيضاً

خبير نباتات: زراعة محصول الشاي في مصر يقلل فاتورة الاستيراد ويوفر العملة الصعبة

قال الدكتور خالد سالم، أستاذ بيوتكنولوجيا النباتات، إن المشروعات الزراعية الكبيرة التي ...